النجاح في تحمل المسئولية
الكاتب: الدكتور محمد فتحي
تعني المسئولية كونَ الفرد مكلفًا بأن يقوم ببعض الأشياء، وبأن يُقدم عنها حسابًا إلى غيره، وينتج عن هذا التحديد أن فكرة المسئولية تشتمل على علاقة مزدوجة من ناحية الفرد المسئول بأعماله وعلاقته بمن يحكمون على هذه الأعمال.
- المسئولية هي المقدرة على أن يُلزم الإنسان نفسه أولاً والقدرة على أن يفي بعد ذلك بالتزامه بواسطة جهوده الخاصة ﴿أَيَحْسَبُ الإِنْسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى﴾ [القيامة: 26].
وأنت أيها الموظف الجديد مسئول :
1. مسئولية دينية: وهي التزامك بأوامر الله ونواهيه.
2. مسئولية اجتماعية: وهي التزامك بقوانين المجتمع ونظمه وتقاليده من خلال الاهتمام بالأمور والأحوال والفهم لها والمشاركة فيها.
3. مسئولية أخلاقية: وهي التزامك بتحمل تبعات الأعمال وآثارها.
وحتى تحقق نجاحًا في المسئولية لابد من الالتزام بشروطها، وهي :-
1. الفهم والإخلاص: فلا يؤدي المهمة بنجاح إلا من فهم طبيعتها ومقصدها وعلاقتها بغيرها من المهام، واستحضر العقبات التي يمكن أن تحول دون أدائها، وأعد نفسه لها إعدادًا متكاملاً، وكان مقتنعًا تمامًا بأحقية ما يقوم به، والصدق والإخلاص في تأدية الواجب حتى نهايته، وموقف الإخلاص يستلزم من الموظف الجديد (وغيره) عدة أمور، هي :
* الاستمرارية والتواصل مهما كانت السلوكيات من حوله.
* التكامل بين النية والفعل وانضواء الموظف بجميع مكوناته في أهداف وجوده المستمدة من الإطار الإسلامي للحياة.
* العلم بما يقوم به، فلا يمكن أن يتحمل المسئولية جاهل بها.
* التدرج، فالإخلاص جهد بشري، يتعثر الموظف وينهض مرارًا وتكرارًا حتى يصل إلى الكمال فيه، وهذا يحتاج إلى التدرج.
* الأمانة باعتبارها رعاية لحق الله -عز وجل- وأداء للفرائض والواجبات، وهذا يتطلب عدم الخيانة وحفظ الحقوق، خاصة وأن المنزلقات والشهوات وطبائع النفوس غالبة في ظل مجتمعات أو بيئات غير مواتية، ولهذا يقول ابن القيم في الفوائد: «العمل بغير إخلاص ولا اقتداء كالمسافر يملأ جرابه رملاً ينقله ولا ينفعه » .
2. التخطيط وتنظيم الجهود والإمكانيات: لماذا هذا مهم؟
* لوضوح الرؤية وتحديد الهدف، ولاستخدام مواردك وإمكانياتك أفضل استخدام.
* لتحقيق التكامل والتنسيق مع الغير، لتحديد الأولويات بما يتفق مع الاحتياجات.
* للسيطرة على المشكلات التي قد تعترض التنفيذ، لتقليل المخاطر المتوقعة
لذا لابد من أسئلة :
* أين أنا الآن ؟ وما هو وضعي الحالي؟
* أين أريد أن أكون ؟ وما هي طموحاتي المستقبلية؟
* كيف سأبلغ تلك المرحلة ؟ وما هي الوسائل المطلوبة ؟
* كيف أعرف أنني حققت ما أصبو إليه ؟
هذه النظرة المستقبلية التي يضعها التخطيط هي ما يختلف فيه الإنسان عن باقي المخلوقات التي تعيش ليومها ودون إمكانية التفكير بغيرها، فالموظف الجديد –الإنسان- الذي يمارس التخطيط يثبت قابليته لحمل وامتلاك الصفات الإنسانية المتميزة، والذي يخطط للمستقبل يثبت أيضًا جدارته وصلاحيته لنيل وسام الأصلح والأقدر على الاستمرار والبقاء، وانظر إلى ما رواه سعد بن معاذ: بعثني رسول الله إلى اليمن قاضيًا فقلت: يا رسول الله ترسلني وأنا حديث السن ولا علم لي بالقضاء؟ فقال: «إن الله سيهدي قلبك ويثبت لسانك، فإذا جلس الخصمان فلا تقضين حتى تسمع من الآخر كما سمعت من الأول فإنه أحرى أن يتبين لك القضاء»، قال: فمازلت قاضيًا أو ما شككت في قضاء بعد [رواه أبو داود].
انظر.. هو يخشى من تحمل المسئولية لصغر السن وعدم العلم بالمهمة، فيوضح له الرسول الطريق: كن مع الله، ثم كيفية أداء المهمة حتى تنجح.
3. الممارسة الميدانية:
التخطيط من أجل التخطيط لا يصلح، الاحتراف النظري لا العملي لا يصلح ولا يميز صاحبه، حتى تتحمل المسئولية وتلتزم بها لابد من الاحتراف المهني والذي يعطي الخبرة الميدانية، فتجد المحترفين يتحملون المسئولية وفي أي وقت ومكان، دائمًا جاهز للانطلاق، دائمًا موجود حيث توجد الأزمات والمشكلات، يجد حلولاً لها وبعبقرية. فهذا خالد بن الوليد تمرس على العمل الحربي منذ صغره فلم يدخل معركة وتحمل مسئوليتها إلا وانتصر فيها، دائمًا يجد الحلول العبقرية عندما تشتد الأمور، فتجده يخرج المسلمين من مؤتة سالمين بعد أن تحمل مسئولية القيادة واستشهاد القادة الثلاثة، ثم يأخذ خبرات عديدة من حروب الردة تفيده أكثر عند تحمل مسئولية أكبر في الفتوحات، وهذا ما حدث عندما قرر أبو بكر الصديق أن يولي خالد بن الوليد أمر قيادة الجيوش في الشام، حيث القدرة العسكرية الفائقة وحسم الأمور والدهاء والحيلة والإقدام وصاحب تجربة طويلة في القتال فكان سيف الله .
4. المتابعة والتقويم : لماذا عليك تحمل المسئولية والنجاح في تحملها ؟
للتغيير للأحسن ولاستمرار الأمور واستقرارها، وللمستقبل ، وللإنجاز. وليس تحمل المسئولية لـ :
التبرير أو : الفوضى أو : التلهي .
ولهذا يقول عز وجل: ﴿وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْؤُولُونَ﴾ [الصافات: 24]. أي احبسوهم عند الصراط فهم مسئولون عن جميع أقوالهم وأفعالهم التي صدرت منهم ، ولعل فيما روى في مصنف ابن أبي شيبة ما يوضح هذا، حين لقي رسول الله عوف بن مالك فقال له: «كيف أصبحت يا عوف بن مالك؟»، قال: أصبحت مؤمنًا حقًّا، فقال رسول الله : «إن لكل قول حقيقة فما ذلك؟» فقال: يا رسول الله، ألم أطلب نفسي عن الدنيا، سهرت ليلي وأظمأت هواجري، وكأني أنظر إلى عرش ربي، وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها، وكأني أنظر إلى أهل النار يتضاغون فيها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عرفت وآمنت فالزم» [كتاب الإيمان والرؤيا- مصنف ابن أبي شيبة].
انظر :
الصحابي عليه مسئولية يتحملها.
إنها مسئولية تغيير نفسه للأحسن، للمستقبل، للإنجاز.
هو مسئول عن نفسه وعن عمله.
له خطة ومستهدفات والرسول يتواصل ويتفاعل معه ليُحسن من كفاءته.
فلما عرض دليل ما يفعل ويؤمن به ويقوم بتنفيذه قال له الرسول: «عرفت وآمنت فالزم»، سر على هذا الدرب الذي تعلمه علم اليقين .
5. الاستمرار على أداء الأعمال : متى تعرف أنك مسئول ؟
إذا كنت مستمرًّا على النشاط المطلوب في جدية في جميع الظروف والأحوال وعلامة الصدق والدوام على الفعل ، فإذا ما أُعطيت لك مسئولية ما فاعلم أن صفات الموظف المسئول هي :
* القدوة حيث حفظ التوازن والتوسط والسير الحثيث.
* الحكمة في استعمال السلطة إن أُعطيت له.
* معرفة ما له فيطالب به وما عليه فيقوم به.
* حسن الظن واستبشار المستقبل بدون أحلام العاجزين أو مخاطرة المتهورين.
* قبول المساءلة والنقد فكثرة الوفاق من النفاق وكثرة الخلاف شقاق، ولا مسئولية بغير مساءلة،
* لا أمانة من غير أداء مسئول يؤمن بالاختلاف.
* التعاون مع الجميع وعدم الاستهانة بأي رأي.
* إتقان فن البدايات وجودة الخطوة الأولى الموفقة، فمن صحت بدايته أشرقت أنوار نهايته.
* لقد ضيعت المسئولية وفشلت فيها إذا ما كنت :
* جاهلاً فيها ومرتجلاً
* فوضويًّا وغير منضبط في المواقف الحرجة.
* عنيدًا مغلاقًا.
* متسلطًا تؤمن بالشخصنة.
* مُسوفًا طويل الأمل.
* كسولاً .
* غضوبًا.
* جبانًا يائسًا.
* مقلدًا وسلبيًا للآخرين.
* مترددًا منتظرًا غير مبادر.
* لا تدرك أن المسئولية فهم وإنجاز.